الرئيس
أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة
نيويورك 11-11-2001
نص كلمة السيد الرئيس:
السيد الرئيس،
أصحاب الفخامة والسيادة،
معالي الأمين العام للأمم المتحدة،
أصحاب المعالي والسعادة،
أود في هذا المقام أولاً أن أبدأ بتقديم التهنئة لكم شخصياً، يا سيادة الرئيس،
على انتخابكم لرئاسة هذه الدورة للجمعية العامة، وأتوجه أيضاً إلى معالي الأمين
العام السيد كوفي عنان، بالتهنئة على إعادة انتخابه لفترة ثانية أميناً عاماً
للأمم المتحدة، وعلى فوزه ومنظمة الأمم المتحدة بجائزة نوبل للسلام.
كما ويهمني أن أكون معكم اليوم في هذه الدورة ، التي تنعقد في ظروف دولية بالغة
الدقة والأهمية، لا سيما وأنها تأتي بعد هذا العمل الإرهابي والإجرامي البشع
والمروع الذي وقع في 11/9/2001م، في مدينتي نيويورك وواشنطن، والذي أدناه بشدة،
وفي هذا الإطار فإننا نعبر مجدداً عن تعازينا القلبية الحارة، ومواساتنا
المخلصة للرئيس بوش ولحكومة وشعب الولايات المتحدة الأمريكية، الصديق، وأوجه
تعازينا هذه لأسر الضحايا بوجه خاص، ولقد أكد الشعب الفلسطيني استعداده ،
لمواجهة الإرهاب الدولي بكافة صوره وأشكاله، بما في ذلك إرهاب الدولة المنظم،
ولبناء عالم جديد يحقق الأمن والعدالة والسلام والحرية لشعوبه كافة، ويستند إلى
الشرعية الدولية وحقوق الإنسان؛ وإننا ندعو إلى تنسيق كل الجهود الدولية في
إطار الأمم المتحدة والشرعية الدولية، مع التأكيد على أهمية وضرورة استمرار
وتشجيع الحوارات بين الديانات والحضارات.
وأود هنا أن أعبر عن التقدير الكبير لإعلان الرئيس جورج بوش في خطابه يوم أمس
عن ضرورة تحقيق السلام العادل من خلال حل يقوم على تنفيذ قراري 242 و338 وكذلك
القرار 425 وعلى أساس دولتين إسرائيل وفلسطين والعمل على استئناف عملية السلام
سريعاً ومن جانبنا فأننا نبدي أقصى الاستعداد لتحقيق هذه الأهداف، وقد بذلنا
وسنواصل بذل الجهد لتأمين أفضل الظروف والشروط من أجل ذلك، كما أتوجه بالتحية
والتقدير لجميع الأخوة الذين تكلموا قبلي وأشاروا هذه الإشارات الواضحة
والبليغة تجاه قضية الشعب الفلسطيني وحقه في انتزاع حقوقه طبقاً للشرعية
الدولية.
السيد الرئيس،
في العام الماضي كان لي شرف التحدث إليكم في القمة الألفية، وهاأنذا أعود
حاملاً آلام شعبي وقضيته العادلة، التي لا زالت تنتظر الحل العادل، وكما تعلمون
فعن الجمعية العامة للأمم المتحدة صدر القرار 181، الذي نص على تقسيم فلسطين
إلى دولتين إحداهما يهودية والأخرى فلسطينية، غير أن الدولة الفلسطينية، لم يتم
الاعتراف بها حتى الآن في الأمم المتحدة ، فشعب فلسطين الذي تعرض لظلم تاريخي
رهيب، ولعملية اقتلاع وتشريد، يتطلع لرؤية حقه في العودة وتقرير المصير، الذي
نصت عليه كافة الأعراف والمواثيق والقوانين والقرارات الدولية، والقانون
الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يجسد ويكرس
على ترابه الوطني الفلسطيني.
تعلمون، أيها السيدات والساده، بأننا قبلنا بالحل الذي ارتأته الشرعية الدولية،
نعم لقد قبلنا بأقل من ربع مساحة فلسطين التاريخية، بينما أعطتنا جمعيتكم
العامة الموقرة نصف مساحة فلسطين تقريباً، بموجب القرار رقم 181 للعام 1947،
وعلى هذا الأساس الجديد ذهبنا إلى مؤتمر مدريد للسلام، الذي عقد طبقاً لمبدأ
الأرض مقابل السلام، ومن أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين،
وخاصة القرارات 242، و338، و425، وكذلك القرار 194، الخاصباللاجئين
الفلسطينيين، ثم كانت اتفاقات أوسلو التي وقعت في البيت الأبيض بواشنطن، وبحضور
وشهادة الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والاتحاد الأوروبي،
والصين، واليابان، ومصر، والأردن، وغيرها من الدول العربية والإفريقية
والآسيوية والأمريكية وكذلك دول أمريكا اللاتينية والعالم أجمع، ثم وقعنا
العديد من الاتفاقات والبروتوكولات التنفيذية، غير أن حكومات إسرائيل
المتعاقبة، وبعد رحيل السيد يتسحاق رابين شريكي في عملية السلام، عملت وبشكل
واضح على عدم الالتزام وعدم تنفيذ ما عليها من استحقاقات والتزامات مترتبة
عليها من الاتفاقات الموقعة والتي عطلت جهودنا المخلصة من أجل التوصل إلى
السلام الشامل والعادل والدائم، سلام الشجعان. حتى أن عدد المستوطنين ومساحة
الاستيطان تضاعفت منذ أن بدأنا عملية السلام الأمر الذي يكشف عن مدى جدية
التزام إسرائيل بها وبالاتفاقيات التي وقعناها!!.
ثم كانت تلك الزيارة لشارون للحرم القدسي الشريف، والتي حذرت شخصياً ورسمياً من
عواقبها الوخيمة على عملية السلام في منطقتنا، بمثابة الشرارة التي فجرت
الانتفاضة الفلسطينية، تعبيراً عن رفض الشعب الفلسطيني المساس بمقدساته
المسيحية والإسلامية بجانب عدم التزام إسرائيل في الانسحاب، وتنفيذ الاتفاقات
الموقعة، ولسياسة الاستيطان، التي عمقت الاحتلال بدلاً من إنهائه. وعمدت حكومة
إسرائيل الحالية وسابقتها على إطلاق العنان لجيشها المحتل، يمارس إرهاب الدولة
في أرضنا وضد شعبنا، مستخدماً كل ما في ترسانته الحربية من وسائل القتل والفتك
والتدمير، ومستخدماً طائرات أف15 ، أف 16، والأباتشي، والدبابات والمصفحات
والسفن الحربية والأسلحة الفتاكة بما فيها الأسلحة الدولية المحرمة، بجانب
التركيز على عمليات الاغتيال، والتدمير، وهدم البيوت، والمؤسسات العامة
والخاصة، وتخريب وتجريف المزارع والحقول واقتلاع مئات الآلاف من أشجار الزيتون
والفواكه وغيرها، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، حيث سقط لنا خلال ثلاثة عشر
شهراً حوالي 1800 من الشهداء، وحوالي 37000 من الجرحى، والمعاقين وأعداد كبيرة
من المعتقلين، ناهيكم عن الخسائر الاقتصادية الجسيمة، التي تقدر بأكثر من سبعة
مليارات من الدولارات، إضافة إلى قيامهم مؤخراً بتشديد الإغلاق، والحصار
الاقتصادي، والمالي، والتمويني، والطبي، والغذائي، وحرمان شعبنا من حرية الحركة
والتنقل، وحتى الطلاب والمدرسين يمنعون من الوصول إلى مدارسهم وجامعاتهم،
وإغلاق المعابر والحدود الدولية والمطار، منتهكة بذلك أبسط حقوق الإنسان
لشعبنا، ومنع العمال من الوصول إلى أماكن عملهم، لكسب أقوات أسرهم وأطفالهم.
وأمام هذا العدوان المتصاعد، وهذه الحرب الدموية، التي تشنها حكومة إسرائيل على
شعبنا وأرضنا ومقدساتنا وفي القدس الشريف بصورة خاصة ومعها بيت لحم وبيت جالا
وبيت ساحور، وما قامت، وتقوم به من اجتياحات لمدننا وقرانا ومخيماتنا، وما
ترتكبه من مذابح همجية في عدة أماكن في الضفة وغزة، فإننا نتطلع إلى المجتمع
الدولي بأسره، ممثلاً بكم، ممثلاً بكم، ولكل محبي العدل والحرية والسلام،
والمدافعين عن حقوق وكرامة بني الإنسان في العالم، العمل بعزيمة وتصميم وإخلاص
لوقف هذه الحرب، وإرسال مراقبين دوليين، لحماية شعبنا من الاحتلال والإرهاب
والتطهير العرقي، الذي تمارسه إسرائيل، ومن أجل الإشراف على تنفيذ وتثبيت وقف
إطلاق النار، الذي أعلنا تمسكنا به مراراً وتكراراً، وظلت حكومة إسرائيل تواصل
انتهاكه.
السيد الرئيس،
إن الرعاية الدولية لعملية السلام في الشرق الأوسط، هي الضمانة الأكيدة لنجاح
جهود ومساعي المجتمع الدولي، من أجل جعل السلام حقيقة ناجزة في منطقتنا، وإن
الغياب الدولي عن هذا النزاع، وعن البحث الجاد لإيجاد حل للقضية الفلسطينية
طبقاً لروح الحق والعدل ومبادئ القانون الدولي، يعيد المنطقة إلى مربعات العنف
والصراع ودوامة الدماء، ويجعل الـوضع هشاً ومتفـجـراً في منطقتنا، ومن هنا
فإننـا نـدعـو المـجـتـمـع الـدولـي لمضاعفة جهوده المخلصة، للخروج من الوضع
الراهن، والأزمة المتفاقمة، والمأزق الذي آلت إليه عملية السلام، والذي يهدد
بانفجار لا تحمد عقباه في المنطقة بأسرها.
لذا لا بد من مشاركة فاعلة من المجتمع الدولي، والقوى العظمى المؤثرة في
العالم، لإنقاذ عملية السلام، قدماً وإعادتها إلى مسارها الصحيح، وتحريكها
بفاعلية وإخلاص وإرادة بناءة، فالسلام الدائم لن يتحقق، ولن يكتسب هذه الصفة
إلا إذا طبقت الشرعية الدولية، وعملت على إيجاد آلية دولية ملزمة وفعالة لتنفيذ
وتطبيق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة بفلسطين، تطبيقاً دقيقاً
وأميناً، لأن في مثل هذا التطبيق حقناً للدماء، وترسيخاً وتحقيقاً للسلام،
وإرساءً لجذوره في منطقتنا.
وانطلاقاً من إيماننا بالسلام، وحرصنا على تحقيقه كخيار استراتيجي لا رجعة عنه
لشعبنا، فإننا تعاملنا بتجاوب وتعاون مع كافة الجهود والمبادرات الدولية، بما
فيها المبادرة المصرية - الأردنية، وتفاهمات تينت، وتوصيات لجنة ميتشل، التي
قبلناها كرزمة واحدة وشاملة، بل وأعلنا من طرف واحد عن وقف إطلاق نار فوري
وشامل، وبذلنا جهوداً قصوى لتثبيته، وأعلنا كذلك عن نداء السلام الفلسطيني
بمناسبة رأس السنة العبرية الجديدة في شهر سبتمبر الماضي، وتوجهنا فيه إلى
الشعب الإسرائيلي بالتهنئة الصادقة، ودعوناهم لأن تكون هذه المناسبة بداية عهد
جديد من السلام والأمن والتعايش السلمي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي،
وشعوب المنطقة في الشرق الأوسط، وأوضحنا لهم وبلغة لا لبس فيها تمسكنا بخيار
السلام والمفاوضات، والحلول السياسية، لحل القضايا العالقة بيننا وبين الحكومة
الإسرائيلية، ولكن للأسف الشديد، فإن حكومة إسرائيل أوعزت لجنرالات حربها
وجيشها لتصعيد إجراءاتهم العسكرية، ومواصلة حصارهم وعدوانهم ضد شعبنا ومدننا
وقرانا ومخيماتنا، هذا إلى جانب خطة العزل والحصار الذي اغلق مساحات واسعة من
القرى والمدن والمناطق الزراعية حيث قام الجيش والمستوطنين بتدمير الحقول
والمزارع واقتلاع الأشجار المثمرة ، في من الضفة الغربية وقطاع غزة.
واسمحوا لي أن أتوجه من هنا بالتقدير الكبير، والتحية المخلصة، لكافة الدول
الشقيقة والصديقة، والقوى العظمى، التي باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى، أن إقامة
الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هي صمام الأمان للسلام
والاستقرار، ونزع فتيل التوتر في المنطقة والعالم، وهي ركيزة أساسية من ركائز
إقامته وترسيخه؛ وإننا نهيب بتلك القوى، وأخص الولايات المتحدة الأمريكية،
والمملكة المتحدة، والاتحاد الروسي، وفرنسا، والصين، واليابان، وكافة دول
الاتحاد الأوروبي ودول عدم الأنحياز والمجتمع الدولي منفردة ومجتمعة للعمل على
جعل هذه الأقوال والتصريحات أفعالاً ناجزة على الأرض، لتمكين شعبنا الفلسطيني
من العيش بحرية وكرامة وسيادة واستقلال، في دولته الفلسطينية المستقلة على
ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشريف، وذلك بحمل إسرائيل، قوة الاحتلال، على
الانسحاب الكامل والشامل من كافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة بما فيها
القدس الشريف، وإلى حدود الرابع من حزيران 1967، طبقاً لأسس مؤتمر مدريد للسلام
وإنهاء الاستيطان ورحيل المستوطنون من أراضينا، وضمان حق العودة للاجئين
الفلسطينيين، طبقاً للقرار 194، الذي نص على هذا الحق، وتعويض من لا يرغب منهم
في العودة.
إننا نرحب بالمواقف الإيجابية الصادرة عن الرئيس جورج بوش، وزعماء آخرين،
والمؤيدة للدولة الفلسطينية ونعتقد أنها تشكل خطوة هامة على طريق إنهاء النزاع،
وإقامة السلام في الشرق الأوسط. وأصارحكم القول هنا أن إعادة عملية السلام إلى
الحياة، واستكمال هذه العملية يحتاج إلى دفعة نوعية جديدة، ولن يكون ممكناً بعد
كل ما حدث الاكتفاء بإجراءات مرحلية، وسيكون مستحيلاً بالطبع التوصل إلى اتفاق
مرحلي كما يدعو البعض. إن جهود السيطرة على الوضع على الأرض وإعادة الأمور إلى
ما كانت عليه قبل 28 سبتمبر 2000 تحتاج كي تتكلل بالنجاح إلى أفق سياسي وإلى
إعادة الأمل. وما تحتاجه عملية السلام الآن، وما يمكن أن يقود فعلاً إلى السلام
العادل والدائم، هو قيام راعيي عملية السلام الولايات المتحدة، وروسيا
الاتحادية، والأطراف الدولية الفاعلة، بما فيها الاتحاد الأوروبي، وبالطبع
الدول العربية والإسلامية الشقيقة، والدول الصديقة الأخرى في حركة عدم
الانحياز، قيامها بطرح إطار للحل النهائي، يستند للشرعية الدولية والاتفاقات
الموقعة، على أن يقوم الطرفان بالتفاوض بشكل سريع على هذا الحل ويسبق هذا
بالطبع التطبيق الفوري لتقرير ميتشل وتفاهمات تنيت، ولقد أصبح واضحاً أننا
نحتاج لمزيد من الجهد الدولي، وبما يشمل كذلك التواجد الدولي على الأرض،
لمساعدة الأطراف على المضي قدماً. وفي كل الأحوال يجب أن تقوم الأمم المتحدة،
وأمينها العام، بدورها الطبيعي والضروري حتى تتمكن من تحقيق غايتنا بالسلام
المنشود.
وإنني أتوجه بنداء إلى الحكومة الإسرائيلية، وإلى الشعب الإسرائيلي، للتجاوب مع
هذا الطرح حتى نستطيع سوياً بناء السلام في أرض السلام الأرض المقدسة الأرض
المقدسة الأرض المقدسة، ولا حاجة لي هنا للإشارة إلى أن الوضع يحتاج إلى عمل
سريع، ولا يحتمل التأجيل خاصة في ظل الظروف الدولية السائدة، ونحن جاهزون
للقيام بنصيبنا من المسؤولية ونثق بأنكم جاهزون كذلك.
أنا أعرف أن المجتمع الدولي وبمناسبة ذكرى رحيل شريكي إسحاق رابين يتطلع لعملية
السلام، ومن هنا أتوجه لهم جميعاً على لأؤكد على الالتزام التام بعملية السلام
التي بدأتها مع شريكي الراحل إسحاق رابين وشريكي شمعون بيرس، السلام الذي يضمن
الحرية والاستقرار والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين ولكافة شعوب المنطقة سلام
الشجعان السلام العادل والشامل والدائم ولإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن جميع
الأراضي الفلسطينية والعربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس
الشريف، وهنا يجب أن نعمل من أجله لأطفالنا وأطفالهم ومن هنا فإنني أدعو
الحكومة الإسرائيليةإلى استئناف مفاوضات الوضع النهائي ولتنفيذ قرارات الشرعية
الدولية والاتفاقات الموقعة.
أحييكم جميعاً، وأتمنى لهذه الدورة الخروج بالقرارات والتوصيات، التي تعود على
شعوبنا ودولنا، والإنسانية جمعاء، بالخير والرخاء والمزيد من التقدم والنجاح.
والسلام عليكم
|